بين ما ورد في القرآن من هذه المشاهد وبين ما عرف فنيا من ذلك، لأن ذلك مما يخرج القرآن عن هدفه الوعظي والتذكيري ويعرضه للنقاش فيما لم يقصد إليه.
وبعض المسلمين يفعلون ذلك بسبيل البرهنة على أن القرآن احتوى كثيرا مما ظهرت صحته ومداه فنيا ومن الحق أن نذكر أن فيما يفعلونه أحيانا كثيرة تجوّزا وتمحّلا. ونحن لا نرى ذلك ضروريا لإثبات صحة الوحي القرآني وصدق ما احتواه. ففي أساليب القرآن ومحتوياته ما فيه أقوى إثبات لمن يكون حسن النية وراغبا في الإيمان بالله وكتابه. أما غيرهم فإنه يجد دائما ما يورده على من يحاول استخراج نواميس الكون والطبيعة من القرآن. في حين أن هذه المحاولة ليست من ضروريات الدين والإيمان وليست متسقة مع أهداف ما في القرآن من ذلك.
هذا، والمتبادر أن الآية السابقة قد جاءت استطرادية أو تنبيهية لتهتف بأن في كل هذه المشاهد الكونية والنعم الربانية تبصرة وذكرا لمن حسنت نيته ورغب في الحق وأراد الإنابة إلى الله تعالى حيث يرى في كل ذلك دلائل قدرة الله وعظمته فلا يبقى له مندوحة عن الاستجابة لدعوته. وهي بهذا الشرح متساوقة مع الأسلوب الذي نبهنا عليه آنفا.
. الصلة بين الآيات وسابقاتها قائمة بضمير قَبْلَهُمْ المنصرف إلى المكذبين الذين حكت الآيات السابقة دهشتهم وعجبهم وتكذيبهم. وقد هدفت إلى تذكير هؤلاء بمصير أمثالهم من المكذبين السابقين وإنذارهم به. ولعل فيها قصد تسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم أيضا. فالتكذيب الذي يلقاه ليس بدعا. فقد لقيه الأنبياء الأولون قبله من أقوامهم أيضا. وقد استحقّ أولئك نكال الله وحقّ عليهم وعيده. وسيحق على هؤلاء وعيده ونكاله أيضا. وقد تكرر بيان هذا القصد أكثر من مرة، مثل ما جاء في آية سورة فاطر هذه وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)