للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتبادر إذا صحت الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه المؤمنين بذلك إلى ما قد تحتاج إليه الاستقامة على أوامر الله وحدوده من عزيمة قوية وإيمان عميق، وذلك حق لا ريب فيه، ومما قالوه في معنى (استقم) اثبت على أوامر الدين ونواهيه ولا تزغ عنها ولا تحتل فيها، ولا شك في أن الكلمة تتحمل هذه المعاني أيضا.

ولقد روى البغوي في سياق الآية حديثا عن عبد الله الثقفي قال: «قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم» ، وروي عن عمر بن الخطاب قوله: «إن الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تزوغ زوغان الثعلب» .

ومن المفسرين «١» من فسر جملة وَلا تَطْغَوْا بمعنى التجاوز إلى ما فيه معصية وطغيان، ومنهم من قال إنها تتضمن معنى التحذير من الغلو في الدين.

وأورد أصحاب القول الثاني في سياقها حديثا نبويا روى صيغة مقاربة من البخاري عن أبي هريرة جاء فيها: «إنّ الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه فسدّدوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة» «٢» .

وكلا التفسيرين وارد إلا أن روح الجملة تجعل القول الأول أكثر وجاهة وورودا. والحديث لم يرد كتفسير للآية، وفيه في حدّ ذاته تلقين بليغ.

تعليق على جملة وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا

تعددت الأقوال في معنى (تركنوا) منها أنها بمعنى (تميلوا) ومنها أنها بمعنى (تستندوا) والثاني هو المتسق أكثر في مدى الركون اللغوي على ما حققه السيد رشيد رضا. وتعددت الأقوال كذلك في المقصود (بالذين ظلموا) حيث قيل إنهم الكافرون والمشركون كما قيل إنهم الظلمة البغاة. وقد رجح الطبري الأول وقد


(١) انظر تفسيرها في الطبري والبغوي والخازن. [.....]
(٢) الخازن هو الذي أورد الحديث وقد نقلنا صيغته برواية البخاري من التاج ج ١ ص ٤١- ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>