التقرير بهذا الأسلوب ذو خطورة تلقينية عظمى في صدد أعمال الناس وتصرفاتهم وتربية نفوسهم وأخلاقهم.
والمؤمن إذا تيقن من هذا واجتهد ليكون من نفسه على نفسه رقيب، وحسب حساب عاقبة كل ما يقدم عليه نما فيه الوازع الذاتي الذي يزعه عن الإثم والشر، والحافز الذاتي الذي يحفزه إلى الخير والصلاح والهدى. وفي هذا التعبير على ضوء هذا الشرح الذي نرجو أن يكون فيه الصواب إن شاء الله تدعيم لشرحنا الذي شرحنا به مدى جملة كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ أيضا حين إمعان النظر. حيث يتضمن كون الإنسان مسؤولا عمّا يكتسب ويختار من هدى وضلال.
[[سورة المدثر (٧٤) : آية ٤٨]]
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)
. وهذه الآية تعقيب على الآيات السابقة، وقد تضمنت تقريرا بأن الكفار والمجرمين لن تنفعهم يوم القيامة شفاعة الشفعاء، فتحول دون صيرورتهم إلى المصير الرهيب الذي استحقوه بكسبهم.
وقد استهدفت كما هو المتبادر فيما استهدفته تنبيه الكفار إلى أن المرء إنما ينفعه في الدرجة الأولى إيمانه وعمله الصالح، وحملهم على الارعواء من ضلالهم وعدم الإركان إلى شفاعة الشافعين.
[تعليق على عقيدة الشفاعة والشرك عند العرب وهدفها]
واستطراد إلى حقيقة فائدة الشفاعة للمؤمنين وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث ولقد حكت آيات قرآنية عديدة عقائد العرب بالشفاعة بأسلوب يدل على أن ذلك كان يمثل عقيدة الشرك عندهم أو عند أكثريتهم الكبرى، فقد كانوا يعترفون بالله كالإله الأعظم الخالق المدبر الضار النافع، على ما حكته آيات كثيرة مثل آيات سورة المؤمنون هذه: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ الجزء الأول من التفسير الحديث ٣١