والمرجح أن قصة أيوب عليه السلام مما كان متداولا وغير مجهول من السامعين فاكتفت الآيات بالإشارة إليها باقتضاب متّسق معها، لأن الهدف منها فيها هو الموعظة والتذكير والدعوة إلى التأسّي والاعتبار.
ولقد أسهب المفسرون في قصته كثيرا «١» . وفيما ذكروه ما هو متطابق مع قصته في السفر ومنها الزائد الذي يمكن أن يكون مما هو متداول على هامش القصة حسب العادة ولا يبعد أن يكون مما ورد في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا.
وقد اكتفينا بتلخيص القصة لأنها لم ترد في القرآن لذاتها.
[التلقينات المنطوية في قصة أيوب عليه السلام]
ولقد احتوت الآيات عظة وعبرة وتلقينات بليغة فيها تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين في ظروف الدعوة كما فيها تلقين مستمر المدى في كل ظرف.
فإذا كان أناس من خلق الله كفروا وتكبّروا وشاقوا واعتزوا بالمال والولد فهناك عباد الله مخلصون كل الإخلاص له في حالتي قوّتهم وضعفهم وفقرهم وغناهم وصحتهم ومرضهم مثل أيوب الذي كان واسع الثروة متمتعا برغد الحياة فشكر ولم تبطره النعمة، ولما ابتلي بالمحن الشديدة صبر ولم تسخطه النقمة فاستحقّ المزيد من منح الله وعنايته وتداركه بالفرج واليسر بعد الضيق والعسر، وإن من واجب المسلمين التمسّك بالله والإخلاص له والشكر له في حال اليسر والصبر في حال العسر.
وفي تحلّة اليمين التي أذن الله بها لأيوب حتى لا يحنث أو يضرب زوجته المخلصة دليل على أن الله يسمح لعباده أن يتوسلوا بوسيلة مشروعة تنقذهم مما قد يواجهونه من محرجات ومشاكل ويوقعهم في الإثم والضرر والخطر. وهذه النقطة
(١) انظر تفسير الآيات وتفسير آيات سورة الأنبياء [٨٢- ٨٤] في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والبغوي والطبرسي مثلا.