وأهل الكتاب والذي كان يحتمل أن اليهود كانوا طرفا فيه.
على أن كل هذا لا ينبغي فيما يتبادر لنا أيضا أن تكون الآيات في صدد وفد نصارى نجران وأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا هذا الوفد إلى الاحتكام إلى التوراة والإنجيل لإثبات نبوته بما فيهما من دلائل فأبوا وراوغوا. والنصارى يعتبرون التوراة كتاب شريعتهم. وفي آية الأعراف [١٥٧] تقرير بأن النبي مكتوب في التوراة والإنجيل معا.
ولقد ذكرنا أن قول اليهود لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ قد حكي عنهم في الآية [٨٠] من سورة البقرة فمن المحتمل أن يكون تكرر منهم فاقتضت حكمة التنزيل تكرار حكايته على سبيل التنديد. ولقد أعددنا ما روي في صدد هذا القول في سياق آية سورة البقرة المذكورة فنكتفي بهذا التنبيه.
ولا نرى هذا ينفي احتمال أن تكون الآيات في صدد وفد نجران. فقد حكى القرآن عن النصارى أيضا قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه والله تعالى أعلم.
والآيات قوية في أسلوبها نافذة في مداها. وتنطوي على تلقينات جليلة مستمرة المدى سواء أفي التنديد بمن يدعى إلى الاحتكام لكتاب الله فيأتي ويراوغ ويظل سادرا في غيّه متمسكا بهواه. أم بمن يتبجح في تزكية نفسه ويغترّ بما يكون له من سلطان أو علوّ مرتبة وسعة رزق وعزة ولا يتذكر أن الله الذي رفعه وأعزّه وآتاه الملك ووسّع له الرزق قادر على خفضه وإذلاله ونزع الملك منه وتضييق الرزق عليه وكأنما تهيب به أن يجعل هذه الحقيقة نصب عينيه وذهنه ليتقي سخط الله وغضبه وتغييره نعمه التي أنعمها عليه إلى السوء بصالح العمل وأداء الواجب نحو الله والناس.