١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلّم بأن يهتف بعباد الله أن لا يقنطوا من رحمته مهما أسرفوا على أنفسهم وأن لا يظنوا أن باب الإنابة قد سد في وجههم بسبب ذلك، فالله يغفر كل ذنب مهما عظم وهو المتصف بالغفران والرحمة إذا تاب صاحبه منه وأناب إليه. وبأن يحثهم على سرعة الإنابة والرجوع إلى الله وإسلام النفس له وهم في متسع من الوقت وقبل أن يأتيهم عذاب الله فلا يكون لهم منه مخلص ولا محيص ولا نصير. وبأن يدعوهم إلى اتباع أحسن ما أنزل الله إليهم من دعوة الهدى والحق والخير من قبل أن يحل فيهم عذابه بغتة دون أن يشعروا بمقدماته.
٢- وتحذير للمذنبين من إضاعة الفرصة المواتية للتوبة والإنابة إلى الله حتى لا يندموا على ما فرط منهم من آثام ومواقف ساخرة مستهترة. ولا يتنصلوا من مسؤولية آثامهم قائلين إن الله لو هداهم لكانوا من المتقين. ولا يتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ثانية فيكونوا من المحسنين، وهتاف بهم بأن ذلك سوف يكون عبثا حيث يقال لهم: لقد جاءتكم آيات الله ودعوته فكذبتم بها واستكبرتم وكنتم من الكافرين.
والآيات قد تبدو فصلا مستأنفا لا صلة لها بسابقاتها. غير أن العودة إلى مخاطبة الكفار في الآية الأخيرة تجعل الاستمرار في السياق قائما، ولعل مما يصح أن يقال إنها جاءت استطرادية لتهتف بما هتفت به وتنذر بما أنذرت به وتحذر مما حذرت منه، وهذا أسلوب مألوف في النظم القرآني، وقد مرّ منه أمثلة عديدة.
تعليق على آية يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وما بعدها
وقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيتين ٥٣ و ٥٤ مدنيتان.
وروى المفسرون بعض الروايات «١» في سبب نزول الآية [٥٣] منها ما ذكر
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والخازن والزمخشري والبغوي. وانظر أيضا تفسير سورة الزمر في كتاب التفسير من صحيح البخاري وتفسير سورة الزمر في فصل التفسير في مجمع الزوائد الجزء ٧. [.....]