تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وما روي في صددها من أقوال وما ينطوي فيها من صور وتطور وتلقين وأحكام
لقد روى الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالنداء بأن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك قال المسلمون كنّا نصيب من بياعاتهم في الموسم فأنزل الله الآية. كما روي أنه لما نزل شطر الآية الأول وشقّ على المسلمين وقالوا من يأتينا بطعامنا ومن يأتينا بالمتاع فنزل شقّها الثاني. هذا في حين أن الطبري روى في جملة ما روى في سياق الآيات الأولى من السورة أن هذه الآية نزلت مع ما قبلها من أول السورة وكان حكمها في جملة ما نودي به يوم الحج الأكبر وهو أن لا يحجّ بعد هذا العام مشرك.
ومهما يكن من أمر فالذي يتبادر لنا أن الآية على كلّ حال لم تنزل لحدتها ولم تنزل مجزأة وإنما هي جزء من السياق السابق أو نتيجة من نتائجه. فالآيات السابقة أمرت بقتال المشركين الناكثين وقررت عدم أهلية المشركين كافة لعمارة مساجد الله. ولقد كان من جملة ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلانه يوم الحج الأكبر أن لا يحج بعد الآن مشرك على ما رويناه قبل.
ولقد علم الله أن حياة أهل مكة كانت تقوم على الخارج تجارة وغذاء. وأن أهلها سوف يستشعرون خوفا من أن يضيق بالمنع رزقهم ومعيشتهم فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بالآية تبريرا للمنع من جهة وتطمينا لأهل مكة من جهة أخرى.
ولما كان نزول الآيات والنداء يوم الحج الأكبر الذي أمرت الآية الثالثة من السورة وتنفيذ النبي صلى الله عليه وسلم له بواسطة أبي بكر وعلي رضي الله عنهما قد وقع بعد سنة من فتح مكة وبعد فتح الطائف ودخول هوازن وثقيف أقوى قبائل منطقة الحجاز في الإسلام بالإضافة إلى أهل مكة ومعظم من حولها من القبائل فإن معنى هذا أن ذلك قد وقع بعد أن صارت هذه المنطقة جميعها في حوزة السلطان الإسلامي