تفسير هذه الآيات لأنها أكثر تناسبا بسبب ما فيها من صراحة بذلك.
وعبارة الآيات في الصبر والصابرين قوية نافذة. وفيها توكيد لما نبهنا عليه في المناسبات السابقة من السور المكية من عناية القرآن ببث فضيلة الصبر في نفوس المؤمنين وحثهم عليها وما يؤدي ذلك إليه من طمأنينة نفس وسكينة قلب وتحمل للمشاق والمصاعب في سبيل الله والحق، وهكذا يتسق القرآن المكي والمدني معا في هذا الأمر كما يتسق في سائر الأمور.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات بعض الأحاديث، منها حديث رواه مسلم عن أم سلمة قالت:«سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون اللهمّ أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها» . وروى الإمام أحمد حديثا عن الحسين بن علي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعا إلا جدّد الله عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب» وحديث رواه الشيخان عن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» . وحديث رواه الشيخان أيضا عن عبد الله قال:«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلّا حطّ الله به عنه من سيئاته كما تحطّ الشجرة من ورقها» حيث ينطوي في الأحاديث تهدئة لروع المؤمن المبتلي وإعداده على تحمل ما يصاب به بدون جزع ولا هلع. وفي ذلك ما فيه من معالجة روحية متساوقة مع ما احتوته الآيات من ذلك.