ويدخل في ما تقدم فيما يتبادر لنا ما يعمد إليه بعض أصحاب الأملاك من وقف أملاكهم في حياتهم بقصد حرمان بناتهم المتزوجات من الغير أو حرمان بعض فئات من الورثة الذين جعلت الآيات لهم نصيبا مفروضا في تركات أمواتهم ومعلوم أن الذين يفعلون ذلك من أصحاب الأملاك لتحقيق تلك المقاصد يجعلون مصير هذه الأملاك أو بعض ريعها إلى جهة من جهات البرّ مستندين في ذلك إلى ما أساغته السنة النبوية من الوقف الخيري حيث روى الخمسة في هذا حديثا عن ابن عمر قال «أصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فماذا تأمرني به. قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يورث ولا يوهب ويكون ثمرها للفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف. ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه»«١» وهذا العمل مما يصح أن يحتذي به أصحاب الأملاك ويشجعون عليه من دون ريب. ولكن استناد الذين يوقفون أملاكهم للمقاصد المذكورة سابقا ويغطونها بتخصيص شيء من ريعها أو بجعل مصيرها للخير غير مستقيم. وإنما هو أسلوب احتيالي على أحكام كتاب الله ورسوله. وقد عرف هذا النوع بالوقف الذري. وحتى لو كان توزيع ما يخصص من ريعه وفق الأنصبة الشرعية لما ساغ الاستناد فيه إلى ما فعله عمر بأمر رسول الله وتسويغه. ويظل يعتبر بدعة سيئة، وحسنا فعلت بعض الحكومات الإسلامية حينما تنبهت له ومنعته وحلت الموجود منه لمخالفته لروح التشريع من جهة ولأضرار عديدة تحققت به من جهة أخرى.
وفي صدد الوقف الخيري البحت نرى أن ننبه على أمر، وهو وقف امرئ لجميع أملاكه للخير إذا كان له ورثة شرعيون. ونادرا ما يكون أحد لا يكون له ورثة شرعيون مهما كانت درجة صلتهم به.