وهكذا يكون اليهود بعد أن قرر معظمهم جحود رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومناوأته على ما سوف يأتي في آيات أخرى من السورة قد وجدوا في الطبقة المريضة القلب الخبيثة النية من أهل المدينة الذين وسموا بالنفاق مجالا لدسائسهم فخالفوهم وظلوا يوسوسون لهم ويقفون معهم مواقف الكيد والدس والتعجيز ضد الدعوة وصاحبها والمؤمنين بها. ولم يضعف شأن النفاق والمنافقين إلّا بعد أن أظهر الله تعالى نبيه على اليهود ومكّنه منهم فأجلى بعضهم عن المدينة وبطش ببعضهم في المدينة والقرى اليهودية الأخرى في طريق الشام. غير أن حركة النفاق لم تزل بالمرة لأنها طبيعة من طبائع الاجتماع.
ومع ما في الآيات من خصوصية زمنية واحتوائها صورة للمنافقين في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فإن في إطلاق الخطاب وتعميمه تلقينا عاما مستمر المدى بتقبيح الأخلاق والمواقف والأقوال المنسوبة للمنافقين والتي تبدر من بعض الناس في كل زمن ومكان.
ويقف بعضهم عند الآية الأخيرة بل ويتشاد أهل المذاهب الإسلامية فيها «١» .
ولسنا نرى فيها ما يتحمل توقفا ولا مشادة، وقد ورد من بابها جمل كثيرة في السور المكية وشرحنا مداها بما يزيل الإشكال فجملة وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ هي في معنى (ندعهم مستمرين فيه) لأنهم اختاروه لينالوا جزاءه العالي ولا نعني أن الله يفعل ذلك جزافا فيهم. ومن باب (يضل الله الظالمين) وجملة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ هي من قبيل المشاكلة الأسلوبية الخطابية، ومن باب وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران: ٥٤] . فهم يستهزئوون بالله ورسوله وهم الأولى بالاستهزاء من الله ورسوله.
[تعليق على حركة النفاق وأسبابها ومداها]
إن المستفاد من مضامين الآيات القرآنية الكثيرة الواردة في هذه الحركة وأصحابها ومن روايات السيرة أن هذه الحركة نجمت قبل هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى