روى المفسرون «١» عن أهل التأويل أن في الفقرة الأولى من الآية محذوفا مقدرا وأن تقدير الجملة هكذا: «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين ... » وهذا وجيه وفي الجملة جملة لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ حيث تكون الجملة قرينة على صواب التقدير. وفي سورة يونس آية فيها تدعيم لذلك أيضا وهي:
وقد رووا عن بعض أهل التأويل أن جملة كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً أنها بمعنى كان الناس كفارا أو على ضلال. فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين. كما رووا عن بعض آخر أنها بمعنى كان الناس أمة واحدة على فطرة التوحيد التي فطرهم الله عليها فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين. وروح الآية مع ملاحظة مقام جملة: لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فيها تجعل القول الثاني أكثر وجاهة. وقد يدعم ذلك آية سورة الروم هذه: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) .
وعلى ضوء هذه الأقوال الوجيهة فإن الآية في صدد تقرير أن الناس كانوا قبل بعثة النبيين أمة واحدة على الفطرة التي فطر الله الناس عليها من الإيمان به وحده ثم اختلفوا وتناقضوا فبعث الله النبيين إليهم داعين إلى الحقّ والهدى وأنزل عليهم الكتب التي احتوت بيان الطريق الحقّ الواضح الذي فيه حل لما طرأ بينهم من خلاف ونزاع على ذلك، وأنه كان من الذين جاءتهم كتب الله وبيناته من اختلفوا في تأويل ما جاءهم بغيا وعدوانا وانحرافا عن طريق الحقّ والصواب وانسياقا وراء المآرب والشهوات. وأن الله قد هدى الذين حسنت نياتهم وصفت قلوبهم وأسلموا