والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين: إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا.
وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [٤٧] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في جملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها.
وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير أَنْفِقُوا مِمَّا