ويسوغان القول إنها جاءت استطرادية لتصف أخلاق الكفار الذين كانت تتألف منهم أكثرية الناس في البيئة التي تنزل فيها: فالإنسان من هذه الأكثرية لا يسأم من طلب الخير والاستمتاع به فإذا مسّه شرّ وقع في اليأس واستولى عليه القنوط، وإذا كشف الله ضرّه وبدله بنعمة ورحمة فإنه يجحد فضل الله ويعتبر ما أصابه من ذلك طبيعيا وحقا ولا يلبث أن يستغرق في الدنيا ويطمئن إليها وينسى الله والآخرة وما فيها من خير للصالحين، وعذاب للجاحدين، ويجحد أن يكون ما ينذر به بعد الموت من خير وحسنى، وهكذا يكون ديدنه، فإذا أنعم الله عليه انصرف عنه وجحده وإذا مسّه شرّ هلع وملأ الدنيا دعاء وشكوى، والله محص على الكافرين الجاحدين ما فعلوه ومخبرهم به ومذيقهم بسببه أشدّ العذاب.
والآيات قوية نافذة في تقريرها وتنديدها. وهي وإن كانت بسبيل وصف أخلاق أكثرية الناس الذين يسمعون القرآن الجاحدين لله ونعمه فإنها تمثل حالة من المجتمعات الإنسانية بصورة عامة في كل ظرف فيما يبدو من أفرادهم من تقصير في حق الله وجحود لفضله ونسيانه في أوقات الرخاء واستغراقهم في الدنيا وشهواتها ومطالبها دون تفكير في الواجبات والعواقب، وهذا يجعلها مستمد إلهام وفيض دائم للمسلم يذكره بواجبه نحو الله والناس دون ما بطر ولا جحود ولا إسراف ولا استغراق ولا قنوط.