الثانية في التقريع بهم، وحكت ما يقولون إذا ما دعوا إلى اتباع ما أنزل الله حيث كانوا يجيبون أنهم يفضلون اتباع ما وجدوا عليه آباءهم. وانتهت الآية بسؤال استنكاري لاذع عما إذا كان هؤلاء يقفون هذا الموقف العنيد ولو كان الشيطان هو الذي يمليه عليهم ويدفعهم به إلى عذاب السعير في الحقيقة وواقع الأمر.
وفي الآيتين وصل بين أجزاء المشهد الذي بدىء بحكايته في آيات السورة الأولى والذي اعترضته آيات لقمان على سبيل الاستطراد وضرب المثل إذا ما أمعن النظر فيها.
وقد روي «١» أن الآيتين نزلتا في الحارث بن النضر وآخرين من زعماء المشركين كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في صفات الله وشفاعة الملائكة وصلة عقائدهم بالله وكون ما هم عليه وما كان آباؤهم عليه هو الأولى بالاتباع. وروح الآيتين تتسق إجمالا مع الرواية وتلهم أنهما بسبيل وصف موقف جدل وحجاج مع زعماء الكفار مثل الآيات الأولى من السورة. وكل ما هناك أن تسلسل السياق يلهم أن الآيتين لم تنزلا لحدتهما من أجل هذا الموقف وإنما احتوتا الإشارة إليه في سياق حكاية مواقف الكفار ومشاهد جدلهم بصورة عامة.
ولذعة الفقرة الأخيرة من الآية الثانية قوية حقا، وفيها صدى للصرخة القوية الجريئة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجهها بلسان القرآن إلى الكفار وزعمائهم حينما تنعقد بينهم وبينه مواقف مناظرة أو يحتدم الجدل واللجاج.
[تعليق على الحملة القرآنية على التمسك بتقاليد الآباء]
والآية التي احتوت حكاية قول الكفار بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا والتنديد بهم فيها بسبب قولهم تأتي بصيغتها لأول مرة. وقد تكرر فحواها مرارا في القرآن المكي والمدني حيث يدل هذا على شدة تمسك كفار العرب بتقاليد آبائهم واعتبارهم إياها مقدسة واعتبار الدعوة إلى تركها بدعة وعدوانا. ومن المرجح أن الموقف الشديد الذي وقفوه من الدعوة النبوية التي فيها تهديم لكثير من تلك
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن والطبرسي وغيرهما.