على تلقين مستمر المدى حيث أوجب على المسلمين في كل زمن ومكان التزام هذا الأدب وعدم شتم أديان غيرهم وعقائدهم، وفي هذا ما فيه من الجلال والروعة التأديبية التي تهدف إلى إبعاد المسلم عن الفحش والبذاءة وإثارة الغير وجرح عاطفته الدينية مهما كانت. ولا سيما أن ذلك متناف مع مبدأ حرية التدين الذي قرره القرآن على ما شرحناه في سياق سورة (الكافرون) شرحا يغني عن التكرار، ومع مبدأ الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة الذي قررته آية سورة النحل هذه: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) .
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ملعون من سبّ والديه، قالوا يا رسول الله وكيف يسبّ الرجل والديه؟ قال: يسبّ أبا الرجل فيسب الرجل أباه ويسب أمه فيسب أمه» حيث ينطوي في الحديث تأديب نبوي رفيع مستمد من التأديب القرآني ومتساوق معه.
تعليق على جملة كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ
إن إطلاق العبارة في هذه الجملة ألهمنا أن نؤولها بما أوّلناها في الشرح المباشر للآية. ونرجو أن يكون هو الصواب وفي الجملة التالية قرينة على ذلك حيث تنذر الناس جميعا بأن مرجعهم إلى الله فينبئهم بما عملوا ويجزيهم عليه.
وبكلمة أخرى قرينة على أن الجملة لم تعن قط أن الله أغراهم وزيّن لهم ما يعملون حسنا كان أم سيئا. والآية في جملتها تعني أن الله قد وكلهم في ذلك إلى أخلاقهم وقابلياتهم، ولقد ورد في سورة النمل التي سبق تفسيرها آية فيها مثل هذه الجملة مصروفة إلى المجرمين حيث يكون تأويلنا على ضوء ذلك في محله أيضا.
ولقد أوردنا في سياق الجملة المذكورة في سورة النمل تأويلات المؤولين والمفسرين وعلقنا عليها تعليقا وافيا، وما قلناه هناك يصح هنا أيضا فنكتفي بهذا التنبيه.