وفي هذه الآيات إشارة إلى عذاب الله الموعود الذي أكّدت الآيات السابقة وقوعه وقربه: ففي ذلك اليوم تكون السماء كعكر الزيت قتاما أو ميوعة والجبال كالصوف ليونة وتناثرا ومع أنهم يرى بعضهم بعضا ويتعرف بعضهم على بعض فإن كلا منهم مشغول بنفسه لا يستطيع أن يسأل نصرا من صديق أو عونا من قريب ولا يمكن أن يجاب. ويكون هول العذاب الشديد على المجرمين حتى ليتمنى الواحد منهم لو فدى نفسه بكل عزيز عليه من أولاده وزوجته وأخيه وعشيرته وكل من في الأرض ليتمكن من النجاة. ولكن لا نجاة. فقد أعدّت جهنّم الشديدة الاتقاد لكل من أدبر وأعرض عن سماع آيات الله والاستجابة إلى الدعوة إليه وكان كل همّه جمع المال وكنزه لتنزع أطرافهم وتشوى بشراتهم دون أن يقضى عليهم بالموت ليظلوا يقاسون هول العذاب.
والآيات كما هو واضح متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا. وفيها تأييد لما قلناه في سياق الآيات السابقة وكونها للإنذار والتأكيد بوقوع العذاب الموعود وقربه.
وقد تضمنت وصفا مرعبا من شأنه إثارة الخوف والهلع في الكفار وهو مما استهدفته الآيات هنا كما استهدفته الآيات السابقة والمماثلة بالإضافة إلى المقصد الأخروي الواجب الإيمان به. ولقد روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا فيه تفسير للمهل قال:«إنه كعكر الزيت إذا قرّب إلى الوجه سقطت فروته من شدّة حرارته»«١» .
[تعليق على اختصاص جمع المال وكنزه بالتنديد]
وكما قلنا في صدد اختصاص عدم الحضّ على طعام المسكين في الآيات السابقة نقول هنا في صدد اختصاص جمع المال وكنزه بالتنديد من حيث إنه ليس من قبيل الحصر. ولكنه ينطوي على تلقين قرآني جليل مستمر المدى في صدد تقبيح كنز المال والشحّ به عن سبل البرّ والخير ومساعدة المحتاجين.