وقد روى الطبري عن ابن عباس أن الآيتين نزلتا في نفر من اليهود جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن وقالوا له إنا لا نراه متناسقا كالتوراة وسألوه أن يأتيهم باية غيره شاهدة على نبوته وأنهم قادرون على أن يأتوا بمثله، فقال لهم رسول الله أما وإنكم لتعلمون أنه من عند الله وتجدونه مكتوبا عندكم فأنزل الله الآيتين. وقد توقف ابن كثير في الرواية وقال إن السورة كلها مكية وسياقها مع قريش. واليهود إنما اجتمعوا بالنبي في المدينة. وقال البغوي إن الكفار لما قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا كذبهم الله بالآيتين.
ولقد حكت آية في سورة الأنفال المدنية على سبيل التذكير بمواقف وأقوال كفار مكة قبل الهجرة قولا روى المفسرون أن قائله النضر بن الحارث وهي وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنفال [٣١] حيث يصح أن يقال بشيء من الجزم إن في الآيتين ردا وتكذيبا لكفار مكة وإن رواية نزولهما في صدد جدل اليهود مع النبي وتحديهم إياه غير صحيحة.
على أن وحدة السبك والسياق في الآيتين وما قبلهما وما بعدهما تلهم كما هو المتبادر لنا أنهما لم تنزلا فورا بسبب هذا القول الذي حكته آية الأنفال وأن هذا القول قد صدر عن قائله قبل نزولهما بمدة ما وأنهما جاءتا على سبيل التعقيب والاستطراد بعد الآيات السابقة مباشرة التي نوّه فيها بالقرآن الذي فيه شفاء ورحمة للمؤمنين والتي تقرر أن تنزيله سرّ من أسرار الله وبعد الآيات السابقة لهذه الآيات التي حكى فيها بعض مواقف وأقوال الكفار واستفزازاتهم. ومن المحتمل أن تكونا تضمنتا في الوقت نفسه ردا وتحديا قويين للقائل المتبجح، والله أعلم.
[تعليق على إعجاز القرآن وعجز الناس عنه]
ولقد تكررت الإشارة إلى عجز الناس عن الإتيان بمثل القرآن كما تكرر تحدي الكفار بالإتيان بحديث أو سورة أو عدة سور من مثله جوابا على ما كانوا ينسبونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من افترائه أو تعلمه أو اقتباسه من أساطير الأولين، مثل آيات