وفي الآية الثامنة تعقيب على هذا السؤال بأن في ذلك الحجة الدامغة برغم أن أكثرهم لا يؤمنون.
أما الآية التاسعة فهي موجهة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عودا على بدء بسبيل تسليته. فربّه هو العزيز القاهر الذي لا يعجزه شيء، والرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
وكأنما انطوت على تقرير كونه قادرا على سحق الكفار وإخضاعهم غير أن حكمته ورحمته اقتضتا عدم التعجيل بذلك وإفساح رحمته لهم لعلهم يرعوون. ولقد ارعوت أكثريتهم الساحقة حقّا بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأيده الله ونصره.
وقد غدت الآيتان لازمة لمعظم فصول السورة حيث تكررتا عقب كل فصل لنفس القصد والهدف. وفي ذلك أيضا صورة من صور النظم القرآني التي تكررت في بعض سور أخرى.
ولقد أورد الزمخشري في كشافه والمفسر الشيعي الطبرسي في تفسيره في سياق تفسير الآيات رواية عن ابن عباس مفادها أن بعض هذه الآيات وخاصة إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) في بني هاشم وبني أمية حيث انطوت على البشرى للأولين ضد الآخرين، والتكلف وأثر الحزبية السياسية المتأخرة كثيرا عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهران في الرواية. ولا نرتاب في أنها مكذوبة على ابن عباس رضي الله عنه. ولا سيما إن الآيات نزلت قبل أن يؤمن من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم الأقربين إلّا أفراد قلائل جدّا، كما أن أسلوبها مماثل للأساليب المتكررة في صدد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإنذار الكفار. ومن المؤسف أن أصحاب الأهواء وخاصة شيعة العلويين ومفسريهم أكثروا من رواية مثل هذه الروايات وتأويل كثير من الآيات بما يتفق مع أهوائهم برغم ما يكون في التأويل من مفارقة ومباينة للوقائع وفحوى الآيات وسياقها ومناسبتها.
[تعليق على كلمة «محدث» في الآيات]
ويقف علماء الكلام عند كلمة (محدث) فيتخذها بعضهم دليلا على حدوث القرآن ويؤولها بعضهم بما يجعل هذا الاستدلال في غير محلّه لأنه يؤدي في رأيهم