والآية أيضا استمرار في التعقيب والتثبيت. وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وسلم فالله قد أنزل عليه الكتاب لإنذار الناس ودعوتهم إلى الحق ثم هم وشأنهم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه وينفع نفسه وينقذ نفسه ومن ضل فإنما يضر نفسه ويهلك نفسه وليس هو وكيلا عليهم ولا مسؤولا عنهم.
ولعل الآية قد جاءت إنهاء لموقف الجدل والمناظرة التي ما فتئت الآيات السابقة تذكر صوره، مما تكرر في المواقف المماثلة ومرت منه أمثلة عديدة.
وجملة فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها من التعبيرات الحاسمة والمحكمة المقررة لقابلية الناس للاختيار بين الهدى والضلال وتحمل مسؤولية اختيارهم والتي تكررت كثيرا ومرت أمثلة عديدة منها في السور السابقة. وتصح أن تكون ضابطا من الضوابط القرآنية في مداها، ومرجعا لإزالة ما قد يبدو في بعض الآيات من إشكالات ظاهرة.
. تعددت الأقوال والتأويلات التي أوردها المفسرون «١» للشطر الأول من الآية. من ذلك أنه يعني أن الله يقبض أرواح الناس إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتلتقي وتتعارف ما شاء الله ثم يمسك التي تكون ماتت ويرسل الأخرى لتعود إلى أجسام أصحابها إلى أن ينتهي الأجل المعين لها. ومن ذلك أنه يعني أن لكل إنسان نفسين نفس الحياة وهي التي تفارقه عند الموت فيكون الموت ونفس التمييز وهي التي تفارقه عند النوم وإن الله تعالى يتوفاهما كلتيهما فيمسك التي قضى على
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.