«طعام الفاجر» بدلا من طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: ٤٤] على شرط أن تؤدي الترجمة المعاني على كمالها، وعلق الزمخشري على هذا بقوله إن هذا الشرط بمثابة المنع لأن في كلام العرب وخصوصا القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها، ولم يكن أبو حنيفة يحسن الفارسية فلم يكن ذلك التقرير منه عن تحقيق وتبصّر، ثم قال إن صاحبي أبي حنيفة أنكرا جواز الصلاة بالقراءة الفارسية، وإن عليّ بن الجعد روى عن أبي يوسف أن أبا حنيفة هو على رأي صاحبيه في الإنكار.
وننبه على أننا لسنا هنا في معرض منع ترجمة القرآن أو عدم جوازه، بل إننا نرى هذا مفيدا جدا وواجبا لازما في سبيل نشر الدعوة الإسلامية القرآنية العظمى، كما أن عموم الرسالة النبوية، وعموم الخطاب القرآني لجميع الناس من الدلائل على هذا الوجوب، على أن يقوم بها الأكفاء في فهم القرآن ولغته ولغة ترجمته، وعلى أن يكون القصد منها النشر والدعوة والتبشير لا الصلاة بها، حيث نعتقد بصواب رأي أبي يوسف والحسن صاحبي أبي حنيفة في إنكار الصلاة بها وعدم جوازها إلا بالألفاظ القرآنية العربية التي نزل القرآن بها، لأن القرآن قد وصف فيه بأنه قرآن عربي ولا يمكن أن يعتبر قرآنا تصح به صلاة إلا بهذا الوصف.
- ١٠- الخلاف على خلق القرآن وأثره:
ثالثا: ومن ذلك ما دار عليه الخلاف الكلامي المشهور من كون القرآن مخلوقا أو غير مخلوق. ومع أن هذه المسألة فرع من أصل موضوع صفات الله ومعانيها ومداها فإنها اشتهرت أكثر من غيرها لأن الخلاف فيها أدى إلى أحداث تجاوزت الجدل الكلامي بين العلماء إلى الميدان السياسي، وكان من آثارها فتن عمياء أريق فيها الدماء واضطهدت حرية الرأي والعقيدة، وازدرى فيها العلماء واشترك فيها الغوغاء مع الساسة في ساحة واحدة حتى صارت رئيسية، وحتى قال بعضهم إن علم الكلام قد سمّي بهذا الاسم بسبب الخلاف الشديد المشهور على