للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع المشركين مما احتوت الإشارات إليه سورة الأنفال والتحريم والتوبة والأحزاب وعبس والإسراء، مما لا يمكن أن يحتمل القول معه أن ذلك كان إلهاما ربانيا في معنى الوحي البتة. ونحن من المؤمنين بالعصمة النبوية ولكن لا على ذلك المعنى الذي يجعل النبي يمتنع عليه أن يصدرمنه أي اجتهاد في خلاف الأولى المغيب عنه علمه أو أي خطأ بريء مما لا يمكن أن ينتفي عن الطبيعة البشرية النبوية المقررة في القرآن، ومما تنعدم به حكمة الثناء العظيم الذي أثناه الله في القرآن على أخلاقه، وحكمة اختصاصه من دون الناس بالرسالة، ولكن على المعنى الذي يتحقق في الكمال النبوي خلقا وروحا وعقلا والذي لم يصل النبي إلى درجة الاصطفاء الرباني إلا بعد أن وصل إليه، فصار من سموّ الأخلاق وصفاء الروح وعظم القلب ورجاحة العقل إلى ما يرتفع به عن كل ما يشين، ثم على معنى عصمته من أي خطأ في تبليغ ما أوحي إليه والتزامه له بكل دقة وأمانة وصدق واستغراق.

ومهما يكن من أمر، ومع أن كثيرا من العلماء على رأي أن القرآن نزل بألفاظ عربية، وأن ما بلغه النبي من ألفاظه هو ما ألقي إليه من الوحي فالذي يتبادر لنا أن لتلك الأقوال أثرا في الروايات الكثيرة عن خلافيات القراءة وخاصة الخلافيات اللفظية والنظمية من بدل كلمة بكلمة ومن تقديم وتأخير مما أوردنا أمثلة عديدة عنه في مناسبة سابقة، أو أن الذين تداولوا ودونوا هذه الخلافيات دون تمحيص ونقد قد تأثروا بهذه الأقوال، أو أن الذين اخترعوا ودسوا هذه الخلافيات أو بعضها بقصد التشكيك قد استغلوا وروجوا هذه الأقوال، أو أن كل هذا قد وقع معا، كما أنه مما يتبادر لنا أن تكون هذه الأقوال قد أثرت أو تأثرت بأحاديث الأحرف السبعة وتأويلاتها العجيبة التي ذكرنا بعضها سابقا، وخاصة ما ورد في بعض وجوهها من أنها بقصد تقرير أن القرآن قد نزل بمعان متسق مفهومها مختلف مسموعها حيث يجوز التغاير إذا لم تبدل كلمة عذاب بكلمة رحمة.

ولعل ما عزي إلى أبي حنيفة من تجويزه الصلاة بقراءة القرآن بالترجمة الفارسية، وتقريره أن المهم في القرآن هو المعنى متصل بهذه الأقوال. وقد ذكر الزمخشري أن أبا حنيفة استند إلى ما روي عن ابن مسعود من إجازته لقارىء بقراءة

<<  <  ج: ص:  >  >>