هناك ما يجعلنا نرجح أن الآيات وما بعدها جاءت كتقرير تصنيفي عام يشمل الماضي والحاضر والمستقبل لمختلف الأصناف. ومن مرجحات ذلك أن السورة مكية مبكرة في النزول وكل من آمن في العهد المكي وبخاصة في أوله يعد من السابقين. في حين أن الآيات التالية ذكرت صنفا غيرهم وهم أصحاب اليمين. ثم إن الرعيل الأول من الأنصار الذين هم من السابقين الأولين لم يكونوا بعد قد آمنوا.
وتعبير وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) يكون قد تضمن والحالة هذه تقرير صعوبة الوصول إلى مرتبة السابقين المقربين.
هذا من ناحية مدى العبارة القرآنية. ونقول بعد هذا إن الإيمان بما جاء في القرآن من المشاهد الأخروية ومنازلها واجب مع استشفاف الحكمة من ذكر ذلك بالأسلوب الذي ذكر به. ويتبادر لنا أن من الحكمة المنطوية في وصف منازل السابقين المقربين الشائق أن يكون في ذلك حفز للمؤمنين على أن يبذلوا جهدهم في التفاني والجهاد والتزام حدود الله ليستحقوا هذه المرتبة عند الله. وفي هذا سعادة وصلاح للإنسانية والمسلمين في الدنيا بالإضافة إلى النجاة وقرة العين في الآخرة. والله تعالى أعلم.
[تعليق على ما جاء في الآيات من الإطناب في وصف مجلس الشراب والطعام وهدفه]
ويلفت النظر إلى وصف مجلس الشراب والطعام الأنيق في الآيات وخاصة وصف الخمر وكونه لا يحدث صداعا ولا نزيفا. وقد تكرر هذا الوصف في مناسبات أخرى، والمتبادر أن ذلك متصل برسوخ عادة معاطاة الخمر في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وآثارها المكروهة، وبسبيل تقرير أن ما في الجنة من لذائذ ومتع هي خالصة مما في مثيلاتها الدنيوية من نقائص ومشاهد بغيضة ومؤلمة، تقوية للترغيب وحثّا على ترك المكروه البغيض في سبيل ما هو خالص منه. مع التنبيه على وجوب