كذلك بالصفة الرائعة التي ذكرتها آيات المائدة [٨١- ٨٦] ما كانوا ليؤمنوا لو لم يشهدوا من أعلام النبوة وصدق الدعوة النبوية وصلة النبي بالله ووحيه ما لا يسع الطيب النفس المتجرد عن الغرض إلا ذلك.
- ٧- أثر القرآن الروحي وبلاغته النظمية:
وهنا محل لاستطراد وتنبيه، فقد ذهب بعض الباحثين «١» استنتاجا مما ذكره علماء المسلمين عن بلاغة اللغة القرآنية إلى أن هذه البلاغة كانت هي المؤثر الأول في إيمان الذين آمنوا في نجاح الدعوة النبوية. ومع كون اللغة القرآنية في الذروة العليا من البلاغة ليس محل شك فإن في هذا الحصر شيئا من الخطأ في ما نعتقد، إذ يجب أن يضاف إلى ذلك روحانية القرآن وقوة نفوذه، بل إن هذه وتلك يجب أن تكونا مقدمتين.
والحق إنهما كانتا المؤثرتين في الدرجة الأولى بالإضافة إل روحانية الدعوة النبوية وصدق لهجتها وشواهد أعلامها. ويبدو هذا واضحا في كون فريق الرعيل الأول من المؤمنين في مكة قد آمن في وقت مبكر جدا، وقبل أن يكون نزل من القرآن جملة كبيرة، فلا يصح أن يشك في أن إيمانهم إنما كان بما نفذ إلى أعماقهم من روحانية الدعوة النبوية وصدق لهجتها وبما شاهدوه من أعلام النبوة في الدرجة الأولى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الوصف الذي به وصف أثر القرآن في الذين أوتوا العلم في آيات سورتي الإسراء [١٠٧- ١٠٩] والقصص [٥٢- ٥٣] المكيتين لا يصح أن يكون وصف أثر فصاحة القرآن وبلاغته اللغوية فقط بل ولا يصح أن يشك في أنه وصف أثر روحانية القرآن وقوة نفوذه بالإضافة إلى روحانية الدعوة النبوية وشواهد أعلامها الصادقة في الدرجة الأولى ولا سيما إن