والاستعمال القرآني لكلمة (حمل) ومشتقاتها. ومن ناحية كون ليس كل إنسان على الإطلاق هو خائن للتكليف والأمانة مقصّر بواجباته نحوهما. فهناك الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحون والتابعون لهم بإحسان الذين يصحّ أن يدخلوا في عموم كلمة (الإنسان) فيكونوا حسب هذا التأويل مدموغين أيضا بالخيانة. بل وإن هذا الذي نقوله يرد في تشميل نعت الظلم والجهالة لكل إنسان مطلقا كما قد توهمه العبارة القرآنية. ويجعل ما قلناه من أن المراد به هو الإنسان المنحرف عن طريق الحق والهدى هو الأوجه والأكثر ورودا.
[مدى التنويه القرآني بالإنسان]
والآيتان بهذا الشرح الذي نرجو أن يكون فيه الصواب قد احتوتا تنويها جديدا بالإنسان وخطورة شأنه. وتقريرا لأهليته للتكليف وقابليته لاختيار الخير والشرّ والاستقامة والانحراف وإنذارا للذين يختارون الضلال ويسيرون في طريقه وبشرى للذين يختارون الهدى ويسيرون في طريقه كذلك. بل نكاد أن نقول إن الآيتين وبخاصة أولاهما احتوت مفتاح كل ما أفاده القرآن للإنسان من اهتمام عظيم خاصة كل ما سواه بل وكان محور كل أو جلّ آياته حيث جعله على ما تفيده الآيات القرآنية الكثيرة جدا والعبارة القرآنية فيها قطب الكون والمخلوقات الأخرى وخليفة الله في أرضه وسخّر له كل ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة وكرّمه وفضّله على كثير من خلقه وامتازه عن غيره من الحيوان فجعله خلقا آخر واختصّه بالبعث والحساب والثواب والعقاب وسّواه بيده ونفخ فيه من روحه وجعله في أحسن تقويم وعلى أحسن الصور وأعدلها وعلّمه البيان وعلّمه كل العلوم وكان من حكمة خلقه قصد ابتلاء نوعه أيهم أحسن عملا. فجاءت هذه الآيات لتكون ذروة ذلك الاهتمام ومفتاحه وهو كونه الذي أهلّه الله تعالى لحمل الأمانة والتكليف دون سائر مخلوقاته.