فلم يلبث أن عصى ربّه وأخرج من الجنة. ومنها أن المقصود من السموات والأرض والجبال هو أهلها ويدخل في ذلك الملائكة والحيوان على اختلافه عدا بني آدم.
والذي يتبادر لنا أن الأمانة هي أهلية التكليف، أو التكليف نفسه بما فيه من الإخلاص لله وعبادته والتزام أوامره ونواهيه.
وإن جملة إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ قد جاءت بلفظ الواقع على وجه التقدير بقصد تقرير خطورة التكليف وأهليته وواجباته بحيث لو عرض ذلك على السموات والأرض والجبال وهي ما هي من العظمة والسعة والجلال لخافت من التقصير فيه وأبت حمله فحمله الإنسان أو اختص بحمله نتيجة لتأهيل الله له بالتمييز والإرادة وقابلية الخير والشرّ والاختيار بينهما مما لم يكن حظّ غيره من المخلوقات. غير أنه لم يرعها حقّ رعايتها، فنمّ بذلك عن جهل لخطورة ما حمل وعن ظلم لنفسه بتقصيره في القيام بما حمل.
ويتبادر لنا من روح الآيتين أن النعت التنديدي بالإنسان بكونه ظلوما جهولا هو موجه في الدرجة الأولى إلى من لم يرع الأمانة حقّ رعايتها. أو أن هذا هو المقصود بذلك. ويتبادر لنا كذلك أن اللام التي بدئت الآية الثانية بها هي سببية.
وأن هذه الآية متممة للمعنى المنطوي في الآية الأولى حيث تكون احتوت تقرير كون الله قد اختصّ الإنسان بالأمانة التي هي بمعنى التكليف كوسيلة لاختبار الناس حتى يميز خبيثهم من طيبهم وطالحهم من صالحهم ومقصرهم من القائم بواجباته منهم فيعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يكونون قد انحرفوا عن طريق الحقّ والواجب واندفعوا بما اختاروه من طريق بالتقصير والظلم والجهالة. ويشمل المؤمنين والمؤمنات الذين يكونون بإيمانهم قد اختاروا طريق الحق المستقيم وكان ذلك حافزا لهم على القيام بواجبهم ورعاية الأمانة حقّ رعايتها بعطفه وتوفيقه ورحمته وغفرانه.
ويتبادر لنا أن تأويل وَحَمَلَهَا بمعنى خانها غير سليم من ناحية اللغة