والآية الأولى تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشاعرية علما وترفعا وتقرر أن القرآن ليس إلّا تذكيرا للناس وقرآنا مبينا واضحا.
والآية الثانية تعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل وأنزل عليه القرآن لينذر الناس فينتفع بذلك من كان ذا عقل متأمل وقلب حيّ سليم ويحق القول وتقوم الحجة على الجاحدين.
وبرغم ما يبدو من استقلال الآيتين بموضوع منفصل عما قبلهما فإن ما جاء بعدهما هو استمرار للسياق الأول في التنديد بالكفار وحكاية أقوالهم ومواقفهم بحيث يمكن أن يقال إنهما متصلتان بالسياق السابق واللاحق أيضا وإنهما جاءتا بمثابة تقرير لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهدف ما يوحيه الله إليه من قرآن. وهذا الأسلوب النظمي قد تكرر في القرآن. ويبدو أن حكمة هذا الأسلوب هنا هي تقرير أن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات الإنذار والوعيد والتقريرات عن عظمة الله ووصف مشاهد الآخرة ومصائر الناس فيها ليس من قبيل الشعر وإنما هو قرآن رباني فيه كل الحق والحقيقة.
[تعليق على نسبة العرب الشعر والشاعرية للنبي والقرآن]
على أن الآيتين احتوتا موضوعا جديدا ذاتيا أيضا. وهو نفي شاعرية النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن. فلقد رأى الكفار النبي صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات البليغة القوية النافذة إلى أعماق النفوس والمؤثرة في العواطف والمشاعر فظنوا ذلك من قبيل الشعر البليغ الذي اعتادوا سماعه والتأثّر به والتحمّس له.
ولم يرد في السور السابقة حكاية عن نسبة الشعر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الكفار. غير أن الآيتين تلهمان بقوة أن هذا مما كانوا يقولونه قبل نزولهما. ولقد حكته عنهم آيات عديدة في سور أخرى بعد هذه السورة حيث اقتضت حكمة التنزيل ذلك. منها آية سورة الأنبياء هذه: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) وآية سورة الطور هذه: أَمْ يَقُولُونَ