في الآية الأولى سؤال تقريري بقصد لفت النظر إلى أحد النواميس الكونية في سير المراكب فوق البحار، وما في ذلك من نفع للناس، وفرص لمشاهدتهم آثار الله وآياته في كونه. فإن ذلك هو من نعم الله، وفيه دلائل راهنة على عظمته وقدرته، يدركها الصابرون الثابتون عند حدود الله، الشاكرون لنعمه وأفضاله.
وفي الآية الثانية حكاية تنطوي على التعجب والتقريع لحال بعض الناس الذين يركبون البحر، فإذا تعاظمت أمواجه حتى أصبحت كالظلل من فوقهم، وأحدق بهم الخطر ذكروا الله وحده ودعوه وحده مخلصين له الدين. فإذا ما نجاهم إلى البرّ فمنهم من يكفّ عن غلوائه ويبقى على إخلاصه الذي عاهد الله عليه، ومنهم من ينكث ويغدر، وهذا دأب الختار الجحود.
والمتبادر أن الآيتين متصلتان بما سبقهما اتصال سياق وموضوع وأسلوب.
ولقد روي «١» أنهما نزلتا في عكرمة بن أبي جهل الذي فرّ من مكة حينما فتحها النبي صلى الله عليه وسلم وركب البحر فأحدق به الخطر فعاهد الله لئن نجاه ليؤمنن فنجاه فآمن.
ويلحظ أن الآيتين مكيتان ولم نقع على رواية لمدنيتهما أولا. وأنهما منسجمتان مع السياق أسلوبا وموضوعا ثانيا. وأن مثل هذا قد تكرر في آيات مكية كما جاء في آيات سورة يونس [٢٢- ٢٣] التي سبق تفسيرها ثالثا. ومع ذلك فقد يلمح فيهما صورة جديدة في حادث واقعي. ولا يبعد أن يكون بعض المكيين قاموا برحلة بحرية فأحاق بهم الخطر فدعوا الله وحده وعاهدوه على البقاء على ذلك أو الإيمان برسالة النبي صلّى الله عليه وسلم فلما نجوا وعادوا إلى مكة وفّى بعضهم بعهده، فكفّ عن موقفه الجحودي واعتدل أو آمن، في حين نكث الآخرون عهدهم وغدروا وعادوا إلى مواقف الجحود والعناد. وهذا لا يعني فيما نرى أن الآيتين نزلتا منفصلتين عن السياق، فنحن نرجح أنهما جزء منه. وأن الإشارة إلى الحادث جاءت للاستطراد والإفحام.