المتبادر الذي كان يعيش في جوه، ولا يحمّله غير ما يحمل ولا يحاول التخمين والتزيّد ولا يثير الإشكالات والفروض بسبيلها، وكل ما كان من ذلك قد كان بعد أن اشتدت الفتن والخلافات السياسية ومزجها أهلها بالدين واستغلوا نصوص القرآن وأوّلوها وفق أهوائهم، ثم ترجمت كتب المنطق والفلسفة اليونانية وولع بها بعض المسلمين وصاروا يطبقونها على النصوص القرآنية واندست بينهم عناصر مريبة، فتفاقم الخطب وانفتح باب الجدل والكلام على مصراعيه حتى كادوا يقفون عند كل آية ويتجادلون فيها، فأدى ذلك إلى شيء كثير من البلبلة والتشويش في سياق تفسير القرآن وتأويل آياته مما هو مبثوث في كتب علماء الكلام والشيعة وفرقها المتعددة.
وأفضل خطة لنظر القرآن وفهمه هي خطة ذلك السلف الصالح التي نوهنا بها أولا، وتأويل القرآن بالقرآن ثانيا.
والمتدبر في القرآن يرى معجزة باهرة فيه، حيث يجد في مكان ما تفسيرا وتأويلا وحلّا لعبارة ما في مكان آخر قد تثير في نفسه إشكالا أو وهما، بل وإنه كثيرا ما يجد ذلك في نفس الآية التي فيها العبارة أو في سياقها القريب السابق أو اللاحق. وهذا مصداق قول الله تعالى أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [٨٢] النساء.
وقد مرّت أمثلة كثيرة من ذلك في المناسبات السابقة ونبهنا إليها.