وقتال قومهم ويعلنون لهم أنهم لا يريدون أن يقاتلوهم مع قومهم ولا يريدون أن يقاتلوا قومهم معهم. فهؤلاء وأولئك إذا وقفوا فعلا موقف الكافّ عن قتال المسلمين وأظهروا لهم المسالمة الصادقة فليس للمسلمين عليهم سبيل لعداء وقتال. وجملة وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ جاءت معترضة لبيان فضل الله على المسلمين بإلهام هؤلاء المسالمة وتعليل أو تدعيم عدم جعل الله للمسلمين عليهم سبيلا.
تعليق على الآية إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ ... إلخ وحكم علاقة المسالمين بالمسلمين
وقد روى المفسرون «١» أن المعني بالفريق الأول إما هو هلال بن عويمر السلمي الذي واثق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قومه على أن لا يحيف على من أتاه منهم ولا يحيفون على من أتاهم منه، وإما سراقة بن مالك المدلجي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ منه ميثاقا بأن لا يغزو قومه فإن أسلمت قريش أسلموا لأنهم كانوا في عقد مع قريش. ورووا أن المعنّى بالفريق الثاني هم قبيلة أشجع التي قدم منها إلى المدينة نحو سبعمائة فحلوا في ضواحيها فأرسل النبي إليهم أحمالا من التمر ضيافة ثم سألهم ما الذي جاء بكم قالوا قرب دارنا منك وكراهيتنا حربك وحرب قومنا يعنون بني ضمرة الذين بينهم وبينهم عهد فجئنا لنوادعك فقبل النبي ووادعهم.
وإلى هذه الروايات رووا أيضا أن الآية في صدد بني بكر الذين دخلوا في عهد قريش وبني خزاعة الذين دخلوا في عهد النبي- وهما قبيلتان في ناحية مكة متعاديتان- حينما عقد النبي مع قريش الصلح المعروف بصلح الحديبية حيث خيروا القبيلتين فاختار بنو بكر أن يكونوا مع قريش واختار بنو خزاعة أن يكونوا مع النبي. فصار بين بني خزاعة وبين النبي والمسلمين ميثاق وصار بنو بكر يصلون إلى قريش الذين صار بينهم وبين النبي والمسلمين ميثاق. وليس شيء من هذه
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والطبرسي والخازن وابن كثير.