ومع خصوصية الآيات بالنسبة لليهود وحملتها على أخلاقهم فإن فيها تلقينات بليغة مستمرة المدى مما هو جوهري في جميع القصص القرآنية. ففيها تقبيح للحيل التي يراد بها التخلّص من حدود الله ومحظوراته، وتقرير أن الله حينما يأمر بواجب أو ينهى عن محظور لا يمكن أن يرضى بالحيلة للتخلص مما أمر ونهى، وردّ قاطع ومباشر على الذين يسوّغون الحيل ويبيحونها وخاصة في صدد أحكام الدين وأركانه والتفلّت من العهود والعقود وفيها تصوير لما في ذلك من بشاعة وفسق وافتراء على الله وإنذار قاصم لمن يجرؤ على ذلك. ثم فيها بشرى وتثبيت للذين ينهون عن السوء والفحشاء والعدوان على حدود الله وحثّ على النهي عن ذلك. فهذا واجب المتّقين. والله ضامن لمن يقوم به النجاة والفوز.
تعليق خاص على الآية وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ ... والتي بعدها وما فيهما من تلقين وإعجاز قرآني
ولقد احتوت هاتان الآيتان تلقينا بليغا آخر في إيلاء الله تعالى على نفسه بأن يبعث على اليهود من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة بسبب ما ارتكسوا فيه من انحرافات دينية وأخلاقية واجتماعية، واقترفوه من آثام ونقضوه من مبادئ ووصايا، واستغرقوا فيه من أعراض الحياة الدنيا وبيعهم دينهم وكتابهم بالدنيا.
ففي ذلك عظة وذكرى وإنذار للمسلمين ودعوة للاعتبار والازدجار. وهذا عدا ما في الآيات من تقرير لواقع ما صار اليهود إليه من شتات في الأرض وذلّة ومسكنة وازدراء واضطهاد في مختلف الأنحاء التي تشتتوا فيها. حيث كان في ذلك مصداق إعجازي لعهد الله فيهم.
ومهما بدا في سياق حوادث فلسطين في زمننا وما نالوه من نجاح بمساعدة طواغيت الاستعمار فإن تجهم البشر لهم وازورارهم عنهم ونقمتهم عليهم بسبب