كتلتهم الكبرى في الديار الحجازية. وكلا القولين وجيه وإن كان المتبادر أن القول الأول أوجه على ضوء الآيات المكية العديدة التي حكت فرح أهل الكتاب وإيمانهم وتصديقهم واعترافهم بأن رسالة محمد حق والقرآن منزل من الله بما جاء في آيات الأنعام [٢٠ و ١١٤] والأعراف [١٥٧] والرعد [٣٦] والإسراء [١٠٧ و ١٠٨] والقصص [٥٢- ٥٥] والعنكبوت [٤٨] والأحقاف [١٠] .
ومضمون الآيات وأسلوبها يلهمان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وجه الدعوة إلى اليهود على أثر هجرته إلى المدينة فلم يقابلوا الدعوة مقابلة حسنة وحاولوا تشكيك الناس فيها وصرفهم عنها والمكابرة فيها مع يقينهم بصحتها وصدقها وتطابقها بالأسس مع ما عندهم ثم تحالفوا مع المنافقين ضدها واستغلوا حركة النفاق استغلالا كبيرا فاستحقوا التنديد والإنذار والزجر الذي احتوته الآيات.
تلقينات الآيات الواردة في حق اليهود [٤٠- ٤٨]
ومع أن الآيات هي بسبيل بيان موقف اليهود والتنديد به فإنها احتوت تلقينات جليلة مستمرة المدى لكل مسلم في كل وقت. سواء في التنبيه على ما في كتم الحق وتشويهه بالباطل والمكابرة فيه عن تعمد وعلم ونبذ آيات الله لقاء منافع دنيوية من إثم ديني وأخلاقي، أم ما في أمر المرء غيره بالخير والمكرمات ومناقضته لذلك في خاصة نفسه، أم ما في نسيان فضل الله وجحوده من مثل ذلك، وفي وجوب اجتناب ذلك أيضا.
وفي الآيتين الخامسة والسادسة ينطوي تلقين جليل فيه معالجة روحية رائعة وهي التنبيه على ما في الصلاة من التوجه إلى الله وذكره والخشوع له والخوف منه والتحلي بالصبر في سبيل مرضاته من أسباب طمأنينة النفس وإلانة الطبع وجعل الإنسان يعترف بالحق ولا يماري فيه مهما كان ذلك شاقا. وقد تكرر هذا في مواضع عديدة من السور المكية ونبهنا على ما فيه من مثل هذه المعالجة الروحية.