أن المقصود هم المؤمنون، لتنبههم إلى أن البرّ ليس في توجيه الوجوه إلى المشرق والمغرب ولكنه هو ما ذكرته الآية من الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة وكتب الله وأنبيائه وإعطاء المال المحبب للنفس للمحتاجين وبنوع خاص لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، ولأجل تحرير الرقيق وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر في المحن والشدائد وفي ميدان الحرب، فالذين يفعلون ذلك هم الصادقون المتقون.
تعليق على الآية لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... وما فيها من تلقين
ولقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل في سبب نزول هذه الآية. من ذلك ما رواه الطبري عن قتادة أن رجلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ فأنزل الله الآية. وروى الطبري عن قتادة رواية أخرى تفيد أن اليهود كانوا يصلّون قبل المغرب وأن النصارى كانوا يصلّون قبل المشرق فنزلت الآية لبيان حقيقة البرّ.
وروى الطبرسي أنه لما حوّلت القبلة أكثر اليهود والنصارى الخوض في ذلك وقيل فيما قيل إن البرّ وطاعة الله هما التوجه في الصلاة فأنزل الله الآية. وروى عن قتادة أيضا أنها نزلت في اليهود خاصة لأنهم هم الذين أكثروا الخوض في تحويل القبلة.
وليس شيء من الروايات من الصحاح والرواية الأخيرة مع ذلك هي الأكثر ورودا استئناسا بالسياق والله أعلم.
ولما كانت المواضيع التي احتوتها الآيات التالية لهذه الآية مواضيع جديدة غير متصلة بالسياق السابق وكان اليهود هم موضوع الكلام في الدرجة الأولى في الفصول السابقة لها باستثناء الآيات [١٥٣- ١٥٨] التي فيها تثبيت للمؤمنين وموضوع الطواف بين الصفا والمروة فتكون هذه الآية خاتمة قوية للسياق الطويل الذي بدأ من الآية الأربعين واحتوى حلقات عديدة في صدد مواقف اليهود ضد الدعوة الإسلامية وجحودهم ودسائسهم وربط حاضرهم بغابرهم. وقد استغرق