والآيات الأربع تدل من جهة على ما كان معروفا من طبيعة الشعراء في ذلك الوقت وسيرتهم وعلى ما كان للشعر والشعراء من تأثير قوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته من جهة أخرى وتنطوي بالإضافة إلى ذلك على صورة من صور السيرة النبوية حيث كان شعراء الكفار يهجون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وحيث كان شعراء المسلمين يقابلونهم بالمثل انتصارا من الظلم.
ومع خصوصية الآيات وصلتها بظروف السيرة النبوية فإنها تحتوي تلقينا مستمر المدى، فالدعوة إلى الحق والخير والصلاح لا يقوم بها إلّا من خلصت نيته وطهرت سريرته وصدّقت أفعاله أقواله. ولا يستجيب إليها إلّا من اتصف بهذه الصفات. أما الشر والأذى والإثم والإفك فلا يجري في نطاقه دعوة واستجابة إلّا الشريرون الآثمون والكاذبون الأفاكون والظالمون. وعلى المسلم أن يتبين الحق من الباطل وأن يحذر خطة الذين يهيمون في كل واد ويقولون ما لا يفعلون من ذوي البروز والتأثير، وألّا ينساق وراءهم في أي موقف لما في ذلك من ضرر عام وخاص وانحراف عن جادة الحق والخير وقويم الأخلاق.
ويصح أن يضاف إلى هذا أن من تلقينات استثناء المؤمنين من الشعراء المستمرة المدى أنه لا حرج على الشاعر المسلم في أي وقت ومكان من نظم الشعر إذا كانت نيته حسنة وقصده التنويه بالخير والدعوة إلى الصلاح والإصلاح والحث على مكارم الأخلاق والتنديد بسيئاتها ومقارعة الظلم والبغي، فالشعر كان وما يزال قوي التأثير في النفوس وهو في حد ذاته فنّ جميل فيكون ما ابتعد عن الكذب والخلاعة والفسق والفجور وما أيد الدعوة إلى مكارم الأخلاق والحث عليها وما رمى إلى التنديد بالسيئات والفواحش ومقارعة الظلم والبغي خارجا عن نطاق الذمّ القرآني يصحّ نظمه شعرا ويصحّ سماعه معا.