متغايرة وليس فيها ما يساعد على ترجيح صورة على أخرى. وقد أوردنا إحداها في سياق تفسير الآيات [١٣٦- ١٤٠] من سورة الأنعام فنكتفي بذلك.
وروح الآيات تلهم أن العرب قبل الإسلام كانوا يعتقدون أن هذه التقاليد من أمر الله وشرعه. ويمارسونها ويحترمونها على هذا الاعتبار بسبيل شكر الله أو التقرب إليه لتحقيق مطالبهم ورغباتهم وأنهم قد تلقوها كذلك عن آبائهم. وأنهم كانوا شديدي التعلق بتقاليد الآباء وتقديسها. وهذا مما تكرر تقريره أكثر من مرة في القرآن عنهم حيث يفيد ذلك أنهم كانوا يكررون الاحتجاج بتقاليد الآباء وقدسيتها واتصالها بالله عزّ وجل في كل مناسبة متجددة مماثلة.
هذا، ولقد أورد الطبري والبغوي في سياق الآيات حديثا روياه بطرقهما عن أبي هريرة قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكثم بن جون الخزاعي يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه به رجل منك ولا به منك. وذلك أنه أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحّر البحيرة وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي. فقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه. فقال أكثم أيضرني شبهه يا رسول الله. فقال لا إنك مؤمن وهو كافر» وقد أورد ابن كثير هذا الحديث وأورد صيغا أخرى منها عزا بعضها إلى البخاري وبعضها إلى الإمام أحمد وبعضها إلى البزار. فلم نر ضرورة إلى إيرادها لأن حديث الطبري والبغوي أوفى. فإن صحت هذه الأحاديث فيكون فيها مشهد روحاني شهده النبي وأخبر به فيوقف عند ذلك وتستشف حكمته وهي الوعظ والإنذار وتوكيد متساوق مع توكيد الآيات بأن هذه التقاليد لا تمتّ إلى الله وإنما هي خروج عن الفطرة السليمة وانحراف نحو الشرك والوثنية. والله تعالى أعلم.