تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ ... والآيتين التاليتين لها
عبارة الآيات واضحة. وقد احتوت أولاها هتافا للمسلمين بأن يكونوا قوامين لله فيما أمر ونهى ومراعين جانبه وحده في الشهادة بالقسط والحق والعمل بهما والتعاون على إقرارهما دون أن يكون لبغضهم لقوم ما تأثير يؤدي إلى الإخلال بواجب العدل والانحراف عن جادة القسط والحق. فهذا هو واجبهم وهو الأمثل بالمؤمنين. والمحقق لمعنى تقوى الله. والموجب لرضائه. وعليهم أن يلاحظوا دائما أنه خبير بكل ما يفعلونه. أما الآيتان الثانية والثالثة فقد احتوتا تعقيبا على ذلك الهتاف ودعما له وتثبيتا للمسلمين: فالذين آمنوا بالله ولزموا حدوده وعملوا الصالحات لهم المغفرة والأجر العظيم وعدا من الله. أما الذين يكفرون بالله ويكذبون بآياته وينحرفون عن حدوده فهم أصحاب الجحيم.
ولقد روى الطبري أن الآية الأولى نزلت في اليهود حينما همّوا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الرواية وروايات مقاربة من بابها مروية في تفسير الطبري وغيره كسبب لنزول الآية التي تأتي بعد هذه الآيات. ولم يرو المفسرون الآخرون فيما اطلعنا عليه رواية ما في صدد هذه الآيات. وفحوى الآيات يجعل المناسبة التي يرويها الطبري أكثر ملاءمة لنزول الآية التالية. ويحمل على التوقف فيها بالنسبة لهذه الآيات.
والذي يتبادر لنا من روحها وفحواها أنها نزلت في مناسبة أخرى كان فيها خصومة أو مقاضاة بين فريق من المسلمين وآخر من غيرهم. وحاول الفريق المسلم أو عمد إلى الجنف على الفريق الثاني أو الشهادة في حقه شهادة غير صحيحة متأثرا بعدائه وبغضائه. بل وقد يخطر للبال أن يكون موضوع الآيات متصلا بالآية الثانية من السورة التي تحذر المسلمين من أن يحملهم بغضاؤهم لقوم على الإثم والعدوان والتعاون عليهما. فإن صحّ هذا أمكن القول أن الآيات جزء