للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلحظ أن الشطر الأول من القصة احتوى إشارة إلى ما كان من نظرة إبراهيم عليه السلام في النجوم التي ذكرت في السورة السابقة حيث يمكن أن يكون ما جاء هنا زيادة بيانية عما جرى بين إبراهيم عليه السلام وبين قومه قد جاء تتمة للكلام في سورة الأنعام وحيث يمكن أن يكون في ذلك دلالة على صحة رواية نزول هذه السورة بعد سورة الأنعام.

تعليق على جملة وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ

ونريد أن ننبه إلى أمر كان من مواضيع الجدل بين المفسرين وعلماء الكلام حيث استند بعضهم على آية وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ في تقرير كون الله عز وجل قد خلق الناس وخلق أعمالهم وأن أعمال الناس غير مكتسبة منهم وإنما هي مقدرة محتمة عليهم، بينما أنكر ذلك فريق آخر «١» . وبقطع النظر عن عدم اتساق التقرير المذكور مع تقريرات القرآن الحاسمة الكثيرة التي تؤكد بأساليب مختلفة قابلية الناس على الكسب والاختيار واستحقاقهم الجزاء، وفاق ذلك على ما ذكرناه في مناسبات عديدة سابقة، فإن الآية المذكورة ليست تقريرا قرآنيا مباشرا في صدد خلق الناس وأعمالهم، وإنما هي من جملة ما حكي من أقوال إبراهيم عليه السلام لقومه في صدد محاججتهم والتنديد بهم. فهم يعبدون أصناما ينحتونها بأيديهم فقال لهم إن الله خلقكم وخلق ما تنحتون على سبيل الإفحام والإلزام، وإن إيراد الآية في معرض الاستدلال على خلق الله لأعمال الناس في غير محله. ولقد جاء في سورة العنكبوت آية حكي فيها قول لإبراهيم عليه السلام لقومه أيضا نسب فيه الخلق إليهم وهي هذه: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً [١٧] مما فيه تأييد لما نقول.


(١) انظر تفسير الآية في الخازن والبغوي والزمخشري

<<  <  ج: ص:  >  >>