لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وحاول التشويش عليهما وتعويقهما عن تنفيذ ما أمر إبراهيم بفعله في المنام الذي اعتبره وحيا ربانيا فكان إبراهيم يرجمه بالحصى مرة بعد مرة. وكان هذا الرمي هو أصل تقليد رمي الحصى الذي يرميه الحجاج في منى بعد نزولهم من عرفات. وهذه الروايات من جملة الروايات التي تفيد أن الذبيح إسماعيل والله أعلم.
وعلى كل حال فالذي نرجحه أن سامعي القرآن كانوا يعرفون القصة. وأن المهم فيها هو ضرب المثل بعباد الله الصالحين الذين منهم إبراهيم عليه السلام حيث أقدم على تنفيذ ما ظنه وحيا من الله مهما كان فيه تضحية بالغة للتدليل على انقياده وإسلامه النفس لله تعالى، وحيث وافق ابنه الصبي على ذلك بطيبة خاطر ورضاء نفس للتدليل كذلك على انقياده وإسلامه النفس لله تعالى، وبذلك استحقا ثناء الله وتنويهه وتكريمه وكانا مظهر رعايته وتجلياته.
ولقد انطوى في جملة وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ تقرير واقع الأمر بالنسبة لذرية إبراهيم وإسحق عليهما السلام حيث كان منهم المحسن الصالح والمنحرف الآثم المهلك نفسه بانحرافه وإثمه. ومن الممكن أن يلمح في هذا ردّ على دعوى بني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار. فهم مثل سائر البشر منهم الصالح الذي يستحق تكريم الله ورحمته والآثم المنحرف الذي يستحق عذاب الله وسخطه وغضبه. وفي آية في سورة المائدة ذكر هذا التأويل بصراحة وهي هذه:
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) . مع التنبيه على أن في القرآن آيات كثيرة «١» تفيد أن جميعهم إلّا قليلا صاروا موضع سخط الله وغضبه ولعنته بما كان منهم من نقض لميثاقه وانحراف ديني وخلقي ومواقف مؤذية لرسل الله ثم لخاتم رسله.
(١) سلسلة البقرة [٤٠- ١٦٠] وسلسلة آل عمران [٦٥- ١٢٠] وسلسلة النساء [٤٤- ٥٦] و [١٥٠- ١٦٢] والمائدة [١٢- ١٥] .