تعليق على جملة وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ وما بعدها
وهذه الجملة من الجمل القرآنية المحكمة التي يصح أن تكون مفسرة لكل ما يأتي مطلقا من آيات الهدى والضلال، حيث ينطوي فيها تقرير كون الضلال هو نتيجة للفسق المنبثق عن سوء النية وخبث الطوية وفساد الخلق، وحيث يتسق هذا مع التقريرات القرآنية المحكمة في صدد كون الله قد بين للناس طريق الهدى والضلال بواسطة رسله وكتبه، وأودع فيهم قابلية التمييز والاختيار، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها، مما نبهنا عليه في المناسبات الكثيرة السابقة.
وفي الآية التي تلي هذه الجملة وصف قوي للفاسقين، ومظاهر فسقهم نحو الله والناس فهم ينقضون عهد الله من بعد ما ارتبطوا به، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من رحم، وفعل برّ وخير وتعاون وتضامن، ويفسدون في الأرض بأفعالهم وأقوالهم.
ولقد تعددت الأقوال التي يرويها الطبري وغيره عن المؤولين السابقين في المقصود بالفاسقين منها أنهم المنافقون، ومنها أنهم كفار أهل الكتاب، ومنها أنهم الكفار من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين جميعا. بل هناك من قال إنهم الخوارج. والقول الأخير هو على ما هو المتبادر من وحي الأحداث والاجتهاد في التطبيق. والأفعال المنسوبة إلى (الفاسقين) في الآية تدل على أن المقصودين ليسوا الكفار والمشركين مطلقا وإنما الناقضين للعهد والقاطعين لما أمر الله به أن يوصل والمفسدين في الأرض. وقد يكون هذا يسوغ ترجيح المنافقين الذين كان نفاقهم بمثابة نقض لما عاهدوا الله ورسوله عليه من الإيمان. ومما أدى إلى حالة الكره والشقاق والقطيعة والبغضاء بينهم وبين أقاربهم ثم إلى حالة الاضطراب والبلبلة والفساد بما كان من مساعيهم الهادفة إلى إفساد حالة الإسلام والمسلمين،