والمتبادر أن أسلوب الآيات ومداها لا يتحمل هذا البحث. وأن الآية الثانية من الآيات التي نحن في صددها ليست إلّا بسبيل التنبيه على ما يمكن أن يطرأ على نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم من انفعالات وأزمات تجاه المواقف والحالات المثيرة وبسبيل تهدئته مما هو متصل بطبيعة البشر التي قرر القرآن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها مثل سائر البشر. على أن من المحتمل أن يكون الخطاب للسامع المسلم إطلاقا وهذا من أساليب القرآن المألوفة والمتكررة، ويمكن أن يضاف إلى هذا وذاك أن القرآن قرر أنه ليس للشيطان سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكلون كما جاء في آية سورة النحل [٩٩] وأنه لا سبيل له على عباد الله المخلصين كما جاء في آيات سورة الحجر [٤٠- ٤٢] وهذا ضابط من ضوابط القرآن المحكمة. والنبي صلّى الله عليه وسلّم أول عباد الله المؤمنين الذين لا يمكن أن يكون للشيطان سبيل إليهم ولا سلطان عليهم.
بل إن هذا المعنى مندمج في الآيات التي نحن في صددها كما يظهر للمتمعن فيها، فإذا ما حاول الشيطان أن يمسّ المؤمنين المخلصين بنزغة من نزغاته تذكروا في الحال فنجوا منها.
تعليق على رواية نسخ آية خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
هذا، وقد قال بعض المفسرين إن الآية الأولى نسخت بالآيات التي تأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتال الكفار والمنافقين والإغلاظ لهم وهذا القول يتكرر في كل مناسبة مماثلة على ما نبهنا عليه قبل. ولسنا نرى هذا في محله. فالآية احتوت خطة ربانية للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين إزاء الناس جميعهم الذين يدخل فيهم المسلمون. وهذه الخطة مؤيدة بآيات عديدة مدنية ومكية مثل آية سورة آل عمران هذه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وآية سورة النساء هذه: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (٦٣) وآية سورة