على نعت الكفار للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنون من جهة. وقد حكى ذلك القرآن عنهم في آيات عديدة مثل آية سورة الحجر هذه: وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) ، ومثل آية سورة المؤمنون هذه: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) ، ومثل الآية الأخيرة من سورة القلم نفسها:
ويلحظ الانسجام والتلاحق بين هذه الآيات وما بعدها، وهذا قد يضعف الرواية الأولى ويسوغ القول إنها نزلت هي وما بعدها سلسلة واحدة أو متلاحقة، وإن ترتيبها كثاني سورة غير صحيح، لأن الآيات التالية لها تضمنت مشاهد تكذيبية وجدلية، وحملة تنديدية وحكاية لقول المكذبين إن القرآن أساطير الأولين، مما لا يمكن أن يكون وقع إلّا بعد نزول جملة غير يسيرة من القرآن واتصال النبي عليه السلام بالناس وتلاوته عليهم واشتباكه معهم بالجدل والحجاج.
أخلاق النبي صلّى الله عليه وسلم
والثناء من الله على خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الأسلوب البليغ التوكيدي، ووصفه بالعظمة رائع كل الروعة، يتضاءل أمامه كل ثناء ووصف وتكريم بشري، ثم كل ما حاوله بعض المسلمين في وصف شخصيته بأوصاف تكاد تخرجه عن نطاق البشرية، مما جاء في بعض كتب السيرة والشمائل «١» على غير طائل وضرورة، وعلى غير ما صرح به القرآن من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بشر كسائر البشر في جميع الأعراض والمظاهر، ورسول قد خلت من قبله الرسل، وليس بدعا فيهم كما جاء في آية سورة الأحقاف هذه: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) ، وفي آية سورة آل عمران
(١) انظر كتابنا «سيرة الرسول عليه السلام» ، ج ١ ص ٢٤ وما بعدها.