هذه الجملة جاءت في سياق ما كان من أخذ الله بعض رؤساء بني إسرائيل بالرجفة على لسان موسى عليه السلام. ومع أنها كما هو ظاهر حكاية لقول موسى فإن بعضهم وقفوا عندها وتوهموا أن فيها ما يفيد أن الله تعالى يضع الناس في مواقف لا مناص لهم منها ثم يؤاخذهم عليها ويعاقبهم بها كما جاء في بيت الشعر الذي يكرّر في كثير من المناسبات المماثلة:
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له ... إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء
وقد اعتاد بعضهم أن يسوقوا الجملة في الاحتجاج بها على تقدير الله الأزلي على أناس بأعيانهم الهدى والضلال بزعمهم وبدون ما سبب منهم. ولقد علّقنا على هذا المعنى في مناسبات سابقة بما فيه المقنع في رأينا وتنزيه الله عزّ وجلّ عن العبث ونقض حكمته في دعوة الناس إليه بواسطة رسله وترتيب الثواب والعقاب عليهم حسب مواقفهم من هذه الدعوة وسلوكهم نحو الله والناس.
ونقول هنا بمناسبة العبارة إن الإمعان فيها يجعل التوهم الذي يرد منها في غير محله. فهي أولا: حكاية لقول موسى كما قلنا وليست تقريرا قرآنيا مباشرا.
وثانيا: إن معنى فِتْنَتُكَ وبخاصة في مقامها ليس هو الإغواء والإضلال والافتتان وإنما هو الاختبار والامتحان. وهذا ما قرّره الطبري وغيره. فالله يختبر إيمان الناس وأخلاقهم ببعض الأمور فيأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء ويكلفهم بأشياء. فمن كان ضعيف الإيمان والصبر ضلّ وغوى. ومن كان قويا في ذلك ظلّ على هداه ونفذ أوامر الله. وهذا المعنى ملموح في آيات سورتي البقرة وإبراهيم التي أوردناها في التعليق السابق. والعبارة قد وردت على لسان موسى عليه السلام