فيوفقهم إلى ما رغبوا فيه ويشرح صدرهم له فلا ينبغي له أن يحزن ويغتمّ من عدم إيمان من لا يؤمن أو من يحب هو أن يؤمن، وهكذا يتسق المعنى مع المعاني المماثلة في مواضع القرآن الأخرى ومع المبادئ التي يقررها القرآن كما هو واضح، وليس من محل والحال هذه للجدل الكلامي حول كون إيمان المؤمن وكفر الكافر يقعان بمشيئة الله وإرادته الأزليتين أو بدونهما، فالآية لا تتحمل ذلك ولا تقصده، ومع ذلك فإنه لما كان في القرآن آيات صريحة بأن إيمان المؤمن وكفر الكافر ينسبان إلى صاحبيهما ويقعان باختيارهما ويترتب عليهما العذاب والنعيم بسبب ذلك، مما مرّ منه أمثلة كثيرة ومنه آيات سورة الكهف هذه وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١) فإن الأولى تأويل هذه الآية وأمثالها بأن الإنسان إنما يشاء بمشيئة الله أو أن كسبه لأعماله هو نتيجة ما اقتضته حكمة الله وإرادته من إقداره على التمييز والاختيار على ما ذكرناه في مناسبات سابقة، لأن ذلك هو المنسجم المتسق مع الآيات القرآنية وروحها عامة ومع حكمة إرسال الرسل والتبشير والإنذار.