للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونون ممن يعرفون الأمر على حقيقته في قرارة نفوسهم.

ولقد جاء في آية في سورة الأعراف شيء مماثل لما جاء في هذه الآية:

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [٣٣] . غير أن للآية التي نحن في صددها معنى أوسع كما هو ملموح حيث يراد بها الذنوب والمعاصي والانحرافات التي لا توصف أو لا تعرف بالفواحش. ومن الفروق بين هذه الآية وآية الأعراف أن حكمة التنزيل اقتضت أن تكون آية الأعراف بأسلوب التحريم في جهة أن آية الأنعام جاءت بأسلوب الأمر والحض على ترك الإثم. ومن ذلك أن ما أمر بتركه في آية الأنعام ليس هو ما كان فاحشا لا يسع أحدا اقترافه بدون ترتيب واندفاع بالذنب بل ما يمكن أن يتأوله الناس ويجرأوا عليه في السر والعلن من أمور تكون في حقيقتها معصية غير خافية على مقترفها. وهكذا يمكن أن تكون الآية هنا تتمة للتعليم والتأديب والتشريع ليكون الأمر شاملا للفواحش والآثام الكبيرة وغير الكبيرة ما ظهر منها وما بطن، والله تعالى أعلم.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢٢]]

أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)

تتساءل الآية على سبيل التمثيل عما إذا كان يصح في العقل أن يكون من أحياه الله بعد جهله وضلاله بالهدى وجعل له منه نورا يمشي به في الطريق القويم الواضح مثل الذي يتسكع في الظلمات لا يستطيع أن يخرج منها أو أن يرى الطريق القويم الواضح. ثم تقرر تقريرا فيه معنى التنديد والتقريع بأن الكافرين الذين هم الفريق الثاني إنما صاروا كذلك لأنهم زين لهم عملهم المنحرف فرأوه حسنا واستمروا فيه.

وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في صدد المقايسة بين رجل من المسلمين وآخر من المشركين اختلفت الروايات في اسميهما، منها ما ذكر أنهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو جهل، ومنها ما ذكر أنهما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو

<<  <  ج: ص:  >  >>