الأخيرة بسبيل الإعذار والإنذار، حتى لا يكون للناس على الله حجة. وقد انطوى في ذلك ما تكرر تقريره من حكمة إرسال الرسل وكون مهمتهم هي الإنذار. كذلك انطوى في التحدي الذي أمرت الآية [٤٩] النبي عليه السلام بتوجيهه إلى الكفار والتقرير الذي تبعه في الآية [٥٠] توقع العجز عن إجابة التحدي ولذلك حملت بقية الآية [٥٠] على الكفار حملة قوية مستحكمة.
وفي التنديد بالذين يتبعون أهواءهم غير مستندين إلى حق وعلم ويجحدون الحق عنادا ومكابرة تلقين قرآني مستمر المدى في تقبيح هذا الخلق والتحذير منه.
مما تكرر كثيرا في القرآن ومرّ منه أمثلة عديدة.
وفي تحدي الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأتي بما أتى به موسى دلالة على أنهم لم يكونوا يجهلون قصص موسى عليه السلام ورسالته إلى فرعون ومعجزاته. وهذا يؤيد ما قلناه غير مرة من أن القصص القرآنية لم تكن مجهولة من السامعين، وإنها من أجل ذلك جاءت في القرآن لتكون موضوع عظة وعبرة وتمثيل، ولم تأت للقصة ذاتها.
تعليق على جملة إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)
وبمناسبة ورود هذه الجملة لأول مرة نقول إن هذه الجملة تكررت في سور أخرى مكية ومدنية كما تكرر أمثالها مثل وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المائدة [١٠٨] وإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
المائدة [٦٧] ووَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ يوسف [٥٢] وإِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يونس [٨١] .
وقد أوّلنا الجملة الأولى هنا بما أوّلناها به في شرح الآيات لأنها تضمنت تقرير كون حرمان الله الظالمين من توفيقه وهداه وعطفه وعنايته قد ترتب على ما اقترفوه واتصفوا به وارتكسوا فيه من الظلم والانحراف عن جادة الحق والهدى عقوبة لهم. وهذا ينسحب على أمثال الجملة في السور الأخرى.