والفنية في حقائق الكون ونواميسه وأطواره منها والتمحل والتوفيق والتطبيق مما يخرج بالقرآن عن نطاق قدسيته من الوعظ والإرشاد ولفت النظر وبث الهيبة والاستشعار بعظمة الله والتزام حدوده إلى مجال البحث وتعريضه لطبيعة هذا المجال من الجدل والنقاش والتعارض والأخذ والرد على غير طائل ولا ضرورة ولا اتساق مع هدف القرآن وطبيعته.
وبالإضافة إلى هذا الذي يتسق مع الهدف والمضمون والمدى القرآني فيما هو المتبادر فإن لملاحظة ذلك فائدة عظيمة لذاتها، حيث تجعل المسلم غير مقيد بنظريات كونية معينة يوهم أنها مستندة إلى القرآن ومستخرجة منه- مع ما في هذا دائما من تمحل- وتبقيه حرا طليقا في ساحات العلوم والفنون ونظرياتها وتطوراتها وتطبيقاتها فلا يختلط عليه الأمر ولا يصطدم في السير، ويكون كل ما يجب عليه أن يظل من ذلك أن يظل في حدود الأسس والأهداف والمبادئ والمثل العليا وفي نطاق أركان الإيمان العامة التي قررها القرآن، وحيث يظل قصد القرآن ومداه ومفهومه سليما في جميع الأدوار، يخاطب بآياته وفصوله مختلف الفئات في مختلف الأزمنة فيثير فيهم الإجلال والهيبة والإذعان سواء كانوا علماء أو بسطاء.
وهو قصد القرآن الجوهري من دون ريب.
٨- الحياة الأخروية في القرآن:
ثامنا: إن ما ورد في القرآن عن الحياة الأخروية وأعلامها ومشاهدها وصورها وأهوالها وعذابها ونعيمها وهو ما ينطبق عليه وصف المتشابهات التي يراد بها التقريب والتمثيل قد ورد بأسلوب منسجم مع مفهومات السامعين ومألوفاتهم، ومتناول إدراكهم وحسهم، وخاصة العرب الذين كانوا أول المخاطبين به، وإنه ورد بالأسلوب الذي ورد به على سبيل التقريب، واستهدف فيما استهدفه إثارة الخوف والرهبة في نفوس الضالين حتى يرعووا ويستقيموا، وبث الاغتباط والطمأنينة في نفوس المؤمنين الصالحين حتى يثبتوا في الطريق القويم الذي اهتدوا إليه.