تعليق على الآية لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ... والآيات الأربع التالية لها وما ينطوي فيها من صور ودلالات
عبارة الآيات واضحة. وقد تضمنت تقريرا توكيديا بأن أشدّ الناس عداوة للمسلمين هم اليهود والذين أشركوا. وأقربهم مودة هم النصارى. وتعليلا لهذه المودة وهو أنهم كانوا متواضعين لا يستكبرون عن الحق واتباعه. ومشهدا من مشاهد إيمان جماعة منهم فيهم القسيسون والرهبان كتعليل آخر. وقد تضمن المشهد صورة رائعة لإيمان هذه الجماعة. وأثر ما تلاه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن عليهم حيث فاضت أعينهم من الدمع حينما سمعوا ذلك ابتهاجا بالحق الذي انطوى فيه وعرفوه من قبل. وحيث أعلنوا إيمانهم ودعوة الله أن يكتبهم في سجل المؤمنين الشاهدين المصدقين وتساءلوا عما إذا كان يصح أن لا يصدقوا ويؤمنوا بالله والحق الذي سمعوه عن الله في حين أنهم يأملون من الله أن يجعلهم في جملة عباده الصالحين. واحتوت الآيات تقريرا بأن الله عزّ وجل قد أثابهم على ما وقع منهم بجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وهو جزاء المحسنين وبأن الذين كفروا هم أصحاب الجحيم.
وقد أورد ابن كثير حديثا رواه الطبراني عن ابن عباس جاء فيه «إن جماعة النصارى لما فاضت أعينهم وأعلنوا إيمانهم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلّكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم فقالوا لن ننتقل عن ديننا فأنزل الله وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ ... إلخ الآيات. والحديث ليس من الصحاح.
ويقتضي أن تكون بعض الآيات نزل لحدته كما يفيد أن الآيات نزلت في حادث جديد. والآيات منسجمة مرتبط أولها بآخرها. والتمعن فيها وفي السياق السابق لها يسوغ الترجيح أنها لم تنزل في حادث جديد وأنها متصلة بالسياق السابق واستمرار له. فبعد أن استمرت الآيات تتوالى في وصف انحرافات الكتابيين الدينية