صور من صور ما كان بين المسلمين والكفار وقرينة على صحة ما أوردناه في سياق تفسير الآية [٢٧] وشكنا في رواية مدنيتها.
ويلحظ هنا أيضا أن الآية [٣٤] انطوت على توكيد المعنى الذي انطوى في الآية [٣٠] حيث يبدو كذلك أن حكمة التنزيل اقتضت التنبيه في آيتين متتاليتين على أن الذين يقترفون الآثام والأخطاء يلقون نتائج أعمالهم.
ونكرر هنا في مناسبة الفقرة الأولى من الآية [٣٦] ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة مماثلة من أنها لا تنطوي على دعوة المسلمين إلى نفض أيديهم من الدنيا وإنما هي بسبيل التنبيه على عدم الاستغراق فيها استغراقا ينسي المرء واجباته نحو الله والناس وبسبيل الحث على الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله وكونها هي التي تكون ثمراتها دائمة عند الله إذا كان أصحابها من المؤمنين المتوكلين على الله.
وفي الآية الأولى كما يتبادر لنا دليل على ما فتئنا ننبه عليه من كون مشاهد الكون والحياة في القرآن جاءت بأسلوب متسق مع ما كان سامعوه الأولون يعرفونه ويشاهدونه ويمارسونه. فالذي يظل راكدا على ظهر البحر حينما يمسك الله الريح هو السفن الشراعية، وهي التي قصد بها في جملة الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) ولم يكن تسيير السفن بالبحار وغيره قد عرف فنبهت الآية إلى ما يعرفه الناس بسبيل التنويه بآيات الله وقدرته. وطبيعي أن آيات الله وقدرته متمثلة في كل ما يكتشف ويعرف من نواميسه ومن الجملة تسيير السفن بالبحار وغيره.