والرسل منازعتهم فيه كقولهم إن خسوف القمر عبارة عن إمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث إنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة، والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس، وكقولهم إن كسوف الشمس معناه وقوع جرم القمر بين الناظر والشمس وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة. وهذا الفن أيضا لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض. ومن ظنّ أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعف أمره، فإن هذه الأمور تقوم على براهين هندسية وحسابية لا تبقى معها ريبة في من يطلع عليها ويتحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء قبل وقوعهما، وإذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع. وضرر الشرع بمن ينصره بغير طريقه أكثر ممن يطعن عليه بطريقه وكما قيل عدوّ عاقل خير من صديق جاهل» .
ونضيف إلى هذا أن عظمة شأن القرآن هي في روحانيته القوية النافذة وفي قوة هدايته الخالدة وفي ما احتواه من أسس ومبادئ ومثل عليا تستجيب لحاجات الإنسانية المتنوعة على كرّ الدهور ومتنوع الظروف، وإن الواجب الأعظم هو التزام حدود هذه الأسس والمبادئ والمثل وتجليتها وإزالة كل ما يشوش عليها ويعرقل بروزها أو إهماله والانصراف عنه.
- ٥- التشاد المذهبي في سياق التفسير:
خامسا: إن بعض المفسرين قد اتخذوا التفسير وسيلة من وسائل الجدل المذهبي وخاصة في علم الكلام. فقد تجاذبوا وتشادوا حول العبارات القرآنية التي جاءت عن ذات الله وصفاته وأفعاله وأعضائه ونزوله وعروجه واستوائه نفيا وتأويلا وإثباتا وتسليما. وقد تجاذبوا كذلك وتشادوا حول ما جاء عن أعمال الإنسان وسلوكه وإيمانه وكفره وذنوبه وحسناته وثوابه وعقابه واختلاف الناس الطبيعي أو