مع أسلوبها الاستفهامي تتضمن تقرير حقيقة أمرهم في مواقفهم ومزاعمهم وهي فقدان حسن النيّة والرغبة في الإيمان وتعمّد الطغيان والعدوان والإنكار وليس شيئا ناشئا عن عقل وتدبر وتروّ.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعت في الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم أحبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك الشعراء من قبله فأنزل الله الآية أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ويلحظ أن الآية منسجمة مع السياق بحيث يسوغ الترجيح أنها نزلت مع الآيات السابقة لها جملة واحدة. فإذا صحّت الرواية ولا مانع من صحتها فتكون الآية قد أشارت إلى هذا القول بسبيل الردّ عليه في سياق ما احتوته الآيات من ردود على أقوالهم الأخرى التي صدرت جميعها منهم قبل نزول الآيات.
وفي الآيتين [٣٣- ٣٤] تكرار لحكاية قول الكفار بأن القرآن مخترع من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وتحدّ لهم تحدّيا ينطوي فيه ردّ وإفحام. ويلحظ أن التحدّيات السابقة تحدّتهم بالإتيان بمثل القرآن ثم بعشر سور على ما مرّ في سور الإسراء ويونس وهود. وهنا تتحدّاهم بحديث ما. وأسلوب المرات السابقة وأسلوب هذه المرة متوازيان يتضمنان تقرير عجزهم وقوّة الاستعلاء عليهم.
وتعبير بَلْ لا يُؤْمِنُونَ تقرير لواقع أمرهم عند نزول الآيات وسبب مواقفهم. وليس على التأييد لأن كثيرا منهم أسلم وحسن إسلامه على ما نبّهنا عليه في مناسبات سابقة.
[تعليق على كلمة كاهن ونسبة الكهانة إلى النبي صلى الله عليه وسلم]
وكلمة (كاهن) ترد هنا لأول مرة. وقد قال بعضهم إنها عبرانية الأصل وهذا ما يقال في صدد كلمات عديدة غيرها مما مرّ التنبيه عليه. مع أن الكلمة كانت شائعة مستعملة قبل البعثة مع اشتقاقاتها مثل تكهن وكهانة وتعني التنبؤ بالغيب.
وصيغها عربية فصحى. ولا يرد على هذا وجود الكلمة في العبرانية بنفس المعنى.