والفوضى فإنما يكون هذا بسبب ما يقوم عليه سلوكهم من انحراف وإهمال وفساد فلا تتبدل حالتهم من السيء إلى الحسن إلا إذا عدلوا عمّا هم فيه وساروا في طريق الصلاح والاستقامة. وفي هذا ما هو ظاهر من الاتساق مع حقائق الأشياء. والإطلاق في الجملة يجعل مداها المشروح شاملا لجميع الناس والبيئات والطبقات والملل والنحل والحالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولذلك فإنها تصحّ أن تعد من أمهات وجائز الحكم والأمثال والشواهد القرآنية البليغة. وفي سورة الأنفال آية فيها بعض المشابهة لهذه وهي:
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. [٥٣] على أن الجملة التي نحن في صددها أشمل بسبب إطلاقها الذي يتناول حالتي النعمة والنقمة معا.
وفي الجملة كما هو واضح صراحة بأن الناس يتحملون مسؤولية كسبهم بقابليتهم لتغيير ما في أنفسهم بإرادتهم مما هو متّسق مع التقريرات القرآنية التي نبّهنا عليها في المناسبات العديدة السابقة.
أما الجملة الثانية فليس فيها ما يفيد أن إرادة الله تعالى بقوم سوءا تكون جزافا وبدون سبب. بل إن الجملة الأولى من الآية تمنع ورود هذا الخاطر. وكل ما أرادت تقريره هو عدم قدرة أحد على منع السوء الذي تشاء حكمته إنزاله بقوم ما. وروح الجملة الأولى قوية الإلهام بأن ذلك إنما يكون حين ينحرف القوم عن الحق والهدى إلى البغي والضلال فيغير الله ما بهم وينزل نقمته عليهم. وهناك آيات فيها توضيح وتفسير ودعم حاسم لذلك منها آية سورة القصص هذه: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وآية سورة هود هذه: وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) .